الاثنين، 27 يوليو 2009

الكوميديا الإلهية



للشاعر الإيطالي دانتي أليغيري ( 1265- 1321م )

ترجمة: عبد المنعم خليفة خوجلي

**********************

أنا المعبر إلى صدقات المدينة
وأنا الجسر إلى الإحسان الأبدي
والسبيل إلى البشر المفقودين
حيث زودتني قدرة الخالق السامية
بأعلى درجات الحكمة والحب العظيم

*****

لم يخلق شيء من قبلي
فأنا الخلود في البدء وأنا الخلود عند المنتهى
عليك إذاً أن تودع الأمل وأنت تهم بالدخول

*****

الكلمات الداكنة والمجللة بالكآبة
المحفورة في أعلى المدخل
والتي أنا غايتها ومبتغاها
إنها يا إلهي قاسية علي

*****

علمتني الممارسة أن لا أتخلى عن ظنوني
وأن لا بد للخوف من أن ينتهي إلى الأبد

*****

نحن جئنا إلى هذا المكان المعلوم
حيث سيبقى الناس على أحزانهم
طالما أنهم لا يدركون محاسن الفطنة والفكر

*****

وضع يده فوق يدي
باعثاً في نفسي السكينة والمسرة
ثم قادني عبر عالم من الأسرار

*****

الآهات والشكوى والعويل
المتردد عبر الأجواء المدلهمة
جعلتني في البداية أنتحب من هول المخاطر الجسيمة

*****

لعنات مرعبة منبعثة عبر لهجات متنوعة
ونبرات غضب وصرخات ألم مبرح
وأصوات عالية مبحوحة
وضجيج منبعث من اصطفاق الأيدي

*****

هكذا طغت الجلبة على تلك الأجواء
وبقيت كدوامة سوداء أبدية
وكذرات رمل تتجاوب مع أنفاس الزوبعة

*****

بعد أن أثقلني الرعب المنصب على رأسي
صحت " يا سيدي .. ما هذا الذي أسمع؟
ومن هم هؤلاء القوم الذين قهرهم الضنى ؟ "

*****

أجابني بأنها التعاسة التي تنتاب الأرواح الكئيبة
لأولئك الذين أمضوا حياتهم دون شهرة أو إطراء

*****

وهي تختلط مع التراتيل الوجلة
المنبعثة من الملائكة
من الذين لم يكونوا متمردين
كما لم يكونوا مخلصين للله
بل كانوا أسرى ذواتهم

*****

عندما نبذتهم السماء
ولم تكن في ذلك ظالمة لهم
صار مآلهم إلى الدرك الأسفل من الجحيم
وسوف لن ينال أي من هؤلاء الملعونين المجد أبداً

*****

سألت سيدي عن حالي
وأنا أشهدهم يتحسرون على مصيرهم المؤلم
فرد علي سيدي بأنه سوف يجيبني في إيجاز

*****

لم يعد لهؤلاء أمل في الموت
وحياتهم صارت عمياء ومنحطة
لدرجة أنهم أصبحوا يحسدون كل من له مصير آخر

*****

سوف لن تسمح الدنيا لهم بمجد أو شهرة
وستترفع عنهم الرحمة ، ويجافيهم العدل
فدعنا لا نحدثهم.. بل ننظر إليهم ونمضي

*****

أرجعت البصر كرتين
حاملاً لوائي الذي بدأ يدور ويخفق بسرعة ..
وعند توقفه عن الخفقان
بدا ساخطاً وناقماً

*****

بعدها جاءت طوابير ممتدة من البشر
لدرجة أنني لم أصدق أبداً
أن هناك كل هذه الأعداد من الذين أغفلهم الموت

*****

عندما أمعنت النظر
تعرفت على بعضهم
حتى أصبت ظل ذلك الجبان
الذي حقق الفرار المشين

*****

إثر ذلك أدركت وأيقنت
أن هذه هي طائفة الجبناء المنبوذين
المبغضين من الله ومن أعدائه

*****

لم يكن هؤلاء الكفرة أحياء أبداً
حيث ظلوا عراة
توخزهم لسعات الذباب والدبابير

*****

كانت وجوههم ملطخة بالدم
الممتزج مع دموعهم
وهي تسيل حتى أخمص أقدامهم
ملتقى الديدان المقززة

*****

طوفت ببصري في الأفق البعيد
ورأيت الناس يطلون على شاطئ نهر فياض
حينها سألت الله أن يتلطف بي

*****

ليتني أعرف من هم
هؤلاء الذين لا أكاد أتبينهم
وبأي شريعة يبدون كل هذا الإقدام
وهم يعبرون إلى الشاطئ الآخر

*****

أجابني سيدي بأن كل شيء سوف ينجلي بعد حين
حينما تقر خطى أقدامنا
في شاطئ الجحيم الموحش

*****

بنظرات خجولة ومنكسرة
وخشية من أن تكون كلماتي مثيرة لضيق سيدي
سكت عن الكلام حتى أبلغ النهر

*****

لعجبي رأيت عجوزاً يكسو رأسه الشيب
ووقار السنين
وهو يصيح
الويل لك .. لقد فسدت روحك

*****

أرجو أن لا ترنو ببصرك إلى السماء مرة أخرى
فلقد جئت كي أقودك إلى الشاطئ الآخر
إلى الظلال الوارفة أبداً
في الدفء وفي الصقيع

*****

وأنت أيتها الروح الحية الباقية
لتخرجي من هؤلاء الناس
الذين هم موتى
لكن عندما رآني لم أخرج
قال إنك سوف تأتين إلى الشاطئ بوسائل أخرى
دون أن تمري من هنا
حيث لا بد من أن تحملك مركبة أكثر لطفاً

*****

وأنت أيها الدليل لا تحتار هكذا
فأنها إرادتي الغالبة
وعندما تنعقد الإرادة
ينبغي الكف عن السؤال

*****

هنا هدأت خلجات العجوز
ربان مركب المستنقع الشاحب
وبدت هالات من اللهب تومض حول عينيه

*****

جميع الأرواح المعذبة العارية
تغير لونها
واصطكت أسنانها
عند سماعها لهذه الكلمات القاسية

*****

لقد سبوا الإله
ولعنوا الأسلاف والبشر والمكان والزمان
لعنوا حتى بذرة نشأتهم ومولدهم

*****

ثم تراجعوا إلى الوراء
وهم ينتحبون بحرقة أمام الشاطئ الملعون
الذي هو مآل جميع من لا يخشون الله

*****

سوف يرمقهم الشيطان
بنظراته الحادة المنبعثة من عيون كعيون الصقر
ويجمعهم سوياً
ويضرب بمجدافه كل من يتخلف منهم

*****

وكما تتساقط أوراق الخريف
عندما تطرح الأغصان غنائمها
يتهاوون الواحد تلو الآخر

*****

كذلك تتفتق بذرة الشر
ويلقى بهم من حافة الهاوية واحداً إثر آخر
وفقاً لإشارات معلومة
يذعنون لها كما يمضي الطائر نحو الطعم

*****

وهكذا يتفرقون عبر أمواج الغسق
لينتهي بهم المطاف على الجانب الآخر
ريثما تتجمع من جديد فرقة أخرى على هذا الجانب

*****

"يا بني . ." قالها سيدي المتلطف بي
إن جميع من حق عليهم العقاب الإلهي
من كل أصقاع الأرض
يلتقون هنا

*****

بدأوا يتأهبون لعبور النهر
يدفعهم العدل الإلهي دفعاً
حتى كأن خوفهم من المصير تحول إلى رغبة

*****

هذا الطريق لا تمر به روح خيرة
وإذا ما اشتكى منك الشيطان فلتتبين
ماذا يعني بحديثه ذاك

*****

لقد زلزلت أركان الأرض عند الغسق
من هول ذلك الرعب
الذي تجعلني ذكراه أتصبب عرقاً

*****

وعندما غمرت الأرض الدموع
وعلا فيها صفير الريح
تفجر فيض من الضوء القرمزي
وسيطر على مشاعري ..
فسقطت مثل إنسان جافاه الكرى


*****************************
عن الشاعر والقصيدة
____________________

يتناول دانتي في هذه القصيدة الملحمية موضوعات فلسفية ودينية عميقة الغور ، مثل حالة الأرواح بعد الموت ، والجحيم والعذاب والجنة ، والهدف من وراء الحياة، والحياة الأخرى وكيفية الإعداد لها ، والغاية من الوجود.

هدف دانتي من وراء كتابة الملحمة إلى تحقيق فهم أفضل لمكانة الإنسان في الكون ، وتهيئته للحياة الأخرى التي تبدأ بعد الموت . وكما هو واضح فأن القصيدة تتناول قضايا أزلية ، لا يقتصر الاهتمام بها على العصر الذي كتبت فيه ؛ بل هي موضوعات شغلت الناس على مر العصور ؛ وكما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي :

صحب الناس قبلنا ذا الزمان وعناهم من شأنه ما عنانا

الملحمة معقدة بشكل مذهل ، حيث تستخدم مستويات مختلفة من الرمزية ، ولعل ذلك هو أحد أسباب جاذبيتها ، بأكثر من كونه سبباً لصعوبة فهمها. ويأتي تفرد الملحمة وتميزها من اختزالها للمعرفة والتجربة الإنسانية ؛ حيث نجح دانتي في أن يمزج فيها ما بين الأساطير والآداب والفلسفات الوثنية ، واللاهوت والعقيدة المسيحية ، وبين علوم الفيزياء والتنجيم والخرائط والرياضيات ، ونظريات الأدب والتأريخ والسياسة.

تعتبر هذه الملحمة من أروع الأعمال الأدبية التي تركت تأثيراً بارزاً على الثقافة الغربية ، امتد حتى عصرنا الراهن . فلقد تأثر بها العديد من الأدباء الذين هم من أعمدة الأدب الغربي ، أمثال جون ملتون ، ووليام بليك ، وفكتور هوجو ، وجوزيف كونراد ، وجيمس جويس .

هناك مئات المخطوطات لهذه القصيدة والتي كتبها دانتي باللغة الإيطالية ؛ كما أن هناك مئات الترجمات التي تمت لها بمختلف اللغات ، وهذه محاولة متواضعة لنقل جزء منها إلى اللغة العربية .

المترجم


****************************************
Dante Alighieri
(1265–1321)
from The Divine Comedy, from The Inferno
*****************************************

Canto III

Through me the way is to the city dolent;
Through me the way is to eternal dole;
Through me the way among the people lost.

Justice incited my sublime Creator;
Created me divine Omnipotence,
The highest Wisdom and the primal Love.

Before me there were no created things,
Only eterne, and I eternal last.
All hope abandon, ye who enter in!

These words in somber color I beheld
Written upon the summit of a gate;
Whence I: Their sense is, Master, hard to me!

And he to me, as one experienced:
Here all suspicion needs must be abandoned,
All cowardice must needs be here extinct.

We to the place have come, where I have told thee
Thou shalt behold the people dolorous
Who have foregone the good of intellect.


And after he had laid his hand on mine
With joyful mien, whence I was comforted,
He led me in among the secret things.

There sighs, complaints, and ululations loud
Resounded through the air without a star,
Whence I, at the beginning, wept thereat.

Languages diverse, horrible dialects,
Accents of anger, words of agony,
And voices high and hoarse, with sound of hands,

Made up a tumult that goes whirling on
Forever in that air forever black,
Even as the sand doth, when the whirlwind breathes.

And I, who had my head with horror bound,
Said: Master, what is this which now I hear?
What folk is this, which seems by pain so vanquished?

And he to me: This miserable mode
Maintain the melancholy souls of those
Who lived withouten infamy or praise.

Commingled are they with that caitiff choir
Of Angels, who have not rebellious been,
Nor faithful were to God, but were for self.
The heavens expelled them, not to be less fair;
Nor them the nethermore abyss receives,
For glory none the damned would have from them.

And I: O Master, what so grievous is
To these, that maketh them lament so sore?
He answered: I will tell thee very briefly.

These have no longer any hope of death;
And this blind life of theirs is so debased,
They envious are of every other fate.

No fame of them the world permits to be;
Misericord and Justice both disdain them.
Let us not speak of them, but look, and pass.

And I, who looked again, beheld a banner,
Which, whirling round, ran on so rapidly,
That of all pause it seemed to me indignant;

And after it there came so long a train
Of people, that I ne'er would have believed
That ever Death so many had undone.

When some among them I had recognized.
I looked, and I beheld the shade of him
Who made through cowardice the great refusal.



Forthwith I comprehended, and was certain,
That this the sect was of the caitiff wretches
Hateful to God and to his enemies.

These miscreants, who never were alive,
Were naked, and were stung exceedingly
By gadflies and by hornets that were there.

These did their faces irrigate with blood,
Which, with their tears commingled, at their feet
By the disgusting worms was gathered up.

And when to gazing farther I betook me.
People I saw on a great river's bank;
Whence said I: Master, now vouchsafe to me,

That I may know who these are, and what law
Makes them appear so ready to pass over,
As I discern athwart the dusky light.

And he to me: These things shall all be known
To thee, as soon as we our footsteps stay
Upon the dismal shore of Acheron.

Then with mine eyes ashamed and downward cast,
Fearing my words might irksome be to him,
From speech refrained I till we reached the river.

And lo! towards us coming in a boat
An old man, hoary with the hair of eld,
Crying: Woe unto you, ye souls depraved

Hope nevermore to look upon the heavens;
I come to lead you to the other shore,
To the eternal shades in heat and frost.

And thou, that yonder standest, living soul,
Withdraw thee from these people, who are dead—
But when he saw that I did not withdraw,

He said: By other ways, by other ports
Thou to the shore shalt come, not here, for, passage;
A lighter vessel needs must carry thee.

And unto him the Guide: Vex thee not, Charon;
It is so willed there where is power to do
That which is willed; and farther question not.

Thereat were quieted the fleecy cheeks
Of him the ferryman of the livid fen,
Who round about his eyes had wheels of flame.

But all those souls who weary were and naked
Their color changed and gnashed their teeth together,
As soon as they had heard those cruel words.



God they blasphemed and their progenitors,
The human race, the place, the time, the seed
Of their engendering and of their birth!

Thereafter all together they drew back,
Bitterly weeping, to the accursed shore,
Which waiteth every man who fears not God.

Charon the demon, with the eyes of glede,
Beckoning to them, collects them all together,
Beats with his oar whoever lags behind.

As in the autumn-time the leaves fall off,
First one and then another, till the branch
Unto the earth surrenders all its spoils;

In similar wise the evil seed of Adam
Throw themselves from that margin one by one,
At signals, as a bird unto its lure.

So they depart across the dusky wave,
And ere upon the other side they land,
Again on this side a new troop assembles.

My son, the courteous Master said to me,
All those who perish in the wrath of God
Here meet together out of every land;

And ready are they to pass o'er the river,
Because celestial Justice spurs them on,
So that their fear is turned into desire.

This way there never passes a good soul;
And hence if Charon doth complain of thee
Well mayst thou know now what his speech imports.

This being finished, all the dusk champaign
Trembled so violently, that of that terror
The recollection bathes me still with sweat.

The land of tears gave forth a blast of wind,
And fulminated a vermilion light,
Which overmastered in me every sense,

And as a man whom sleep hath seized I fell.

*******************************************

(Tr. Henry Wadsworth Longfellow)



*********************************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق